مع فاطمة أم مع التطبيع الإبليسي

44

مع فاطمة أم مع التطبيع الإبليسي

إن استشهاد السيدة الزهراء صلوات الله عليها لم يكن حدثًا في التاريخ فحسب ولا مجرد جريمة اعتداء أو تصفية جسدية، بل كان في عمقه امتدادًا لشرارة الانقلاب الذي بدأ في السقيفة. فالذي جرى لم يكن صراعًا على سلطة فحسب، بل تمردًا على قانون الله تعالى وانحرافًا عن خط النبوة الذي يمثل الميزان الإلهي في الأرض.

وكان وجود فاطمة عليها السلام بما تمثله من نقاء الحقيقة وامتداد النور المحمدي تهديدًا مباشرًا لذلك المشروع المنقلب، لأنها الشاهد الوحيد الذي لا يمكن إسكات حجته ولا تزوير نوره. ولهذا صار بقاؤها عائقًا أمام اكتمال مملكة الشر.

وتنقل بعض الروايات أن إبليس كان أول من بارك ذلك الانحراف وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المقام ابسط يدك… وهي إشارة رمزية إلى أن ذلك الحدث لم يكن سياسيًا فقط، بل كان افتتاحًا لعهد جديد من الظلمة يقوم على شرعنة الانحراف وإسكات الحق.

وبهذه المباركة الإبليسية رمزًا للتمرد الأعظم، كان لا بد أن تُستهدف سيدة الوجود الصديقة الكبرى، لأنها وحدها الحافظة لسر الرسالة، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى في قبال الوجود الشرير لإبليس: “قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ”.

وهكذا يقف التاريخ البشري بين وجودين متنافرين تمامًا:

وجودٌ نوراني يمثل الحقيقة الإلهية في فاطمة،

ووجودٌ آخر يغذّيه الشر، يسعى لطمس النور وإقامة واقع جديد يقوم على الانقلاب على الحق.

ولكن البقاء الفاطمي السرمدي الخالد يكافح الوجود السقيفي المطَبِّع الإبليسي.

كونوا مع فاطمة، حيث قالت: “إن طاعتنا نظامًا للملّة”.

وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ”.

فأي محاولة لتعطيل أصل اللعن إنما هي تطبيعٌ إبليسي، وإن اختلفت مواضع اللعن ومواطنه، لأن الجوهر واحد: براءة الإنسان من الظالم.

إذا استقرّ التطبيعُ الإبليسي في الوعي، فإنما يمهّد الطريق لتطبيعٍ آخر لا يقلّ ظلمة، وهو تطبيعُ الاستعمار؛ فمسارُ الظالم واحد، وإن اختلفت الأسماء والوجوه، إذ يحذو بعضُهم حذوَ بعضٍ في مشروعٍ متواصلٍ يهدف لطمس الحقيقة وتمكين الباطل.