نيسانُ الأمس، شاهد على الظلم.!!

25

نيسانُ الأمس، شاهد على الظلم.!!

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

هناك وفي زمن سحيق، حيث انعدمت فيه معالم الفرح والإنشراح، ثمة ذكريات تَحكي مضامين التضاد، رغم تأصيل فكرة “محال اجتماع المتضادَّين”عند أهل العلم والمنطق، إلّا في عقد الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، حاضنة الزمن اللاجميل، وما قد شذّ من قواعد الأحوال والرجال. فقد جرت العادة عند إقبال شهر نيسان، شهر ربيع تفتّح الازهار، واخضرار الاشجار، واعتدال نسيم الليل والنهار، حيث استراحة الأرواح في أحضان الطبيعة التي تنشَدُّ إليها فطرة الإنسان، وهي تستشعر طراوة الربيع، ويُشَمّ منها عبير الجمال، إلّا تلك الحقبة الموحشة، فقد كانت تعني للاغلبية منا، ربيعٌ مجرّد من كل نضارة وبهاء، مسلوب السكينة والأمان، ربيع مقفرٌ في بلدي آنذاك، رياح مُغبرّة، تلقي بظلالها على نفوس أرهقها الفقد وغربة الزمان، حُبَيباتٍ من رمال صحارى السماوة والانبار وذي قار والنجف وغيرها من بقاع العراق، تمرّ محمّلة بروائح الدم وعبق الجراح، تستفز أرواح الثكالى والأيتام، فتزلزل مشاعرها الملبّدة بآهات الفراق والحرمان، إذ لاتكاد بقعة تخلو من رائحة الأجساد الممزقة بسياط جلادي البعث السفاح، والتي قضت في دهاليزهم المظلمة، حتى انتهى بها المصير، الى المقابر الجماعية، إذ غصّت هي الأخرى بصنوف البشر!! وتوزعت على أرض المقدسات. ورغم ماكان وماجرى ووسط كل ذلك الركام، تجد طاغوت العراق المتسلط على الرقاب آنذاك، يحشّد مايملك من طاقات، مستنفرًا جميع امكانياته، لأجل تخليد ذكرى السابع من نيسان المشؤوم، ميلاد الحزب العفلقي الدموي المتجبّر، ملحِقًا به ذكرى الميلاد المشبوه قُبيل ختام نيسان، أي في اليوم الثامن والعشرين منه، المنسوب لابن العوجة زورًا، وهو المجهول أصلًا، المبهَم حسَبًا ونسَبا!. ومن هنا، وحين يُقبِل نيسان، يُقبِل معه ضيق الأفق، وتضييق العيش، وتقييد الحركة، إذ يُرغَم الناس على المشاركة القسرية في احتفالات تعجّ بالمجون والتفاهات والفساد، والتظاهر بالبهجة في تلك المناسبات السيئة الصيت، وبينما هم في غمرة سكرتهم، كان أمثالنا لايأمَن على نفسه التضييق والترهيب، فمن لايُبدي علامات الرضا والتأييد لاحتفالات نيسان المشؤومة، فقد عُدّ من الأعداء! وما إن يُطل هذا الشهر، حتى تُطلّ معه إمارات الحزن واللوعة والرعب، لما جرى على العراق من اعتداءات وانتهاكات تعرض لها الأحرار والشرفاء من قِبل  النظام الدكتاتوري المتغطرس بحق الشعب العراقي، فهي أعظم وأبشع من أن تصفها سطور مهما كتبتْ وتكتبُ الأقلام! ولعلّ أشدّ ماكان يعتري القلوب المكلومة في مثل هذا الشهر، وهو يمرّ بثقل الجبال، ونحن نرى كيف يرقص البعثيون وأتباعهم الحمقى، على جراحات من فُجعوا بإعدام مرجعهم وقائدهم، وثلة من خيرة أبناء وبنات العراق ونبلاء القوم!. ولكن وإن طالت ليالي الصبر، إلّا انّ ربك بالمرصاد، وأبت حكمته إلّا أن يغلب الحقّ والفكر  والاستقامة أهل الباطل، فتثبَّت الذكرى بمقدار هيبة أصحابها، في أجواء تهبّ معها نسائم نيسان اليوم، لتعطر أجواء أرض المقدسات، فيحيي الأحرار الأوفياء ذكرى استشهاد السيد الكبير آية الله السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية النجيبة بنت الهدى، وبعد عقدين من الزمن أو يزيد، سيما ونحن نرى قاتليه في قبضة الأحرار أذلاء صاغرين، ليعود عبير نيسان عطِرا نديًّا، يحمل عبقَ الشهداء إلى ربوع القلوب التوّاقة إلى متابعة المسيرة على طريق الاستشهاد، حتى تشرق شمس الحقيقة على الوجود، لتكتب أسمى آيات الانتصار بالأمل على جبين الإنسانية، بعد زمن الانتظار والصبر وقد امتلأت الأرض عدلًا وقسطا بعد أن ملئت ظلما وجورا.