شهدنا مؤخرا تغييرات جذرية في مظهر زعيم “هيئة تحرير الشام” الارهابي “أبو محمد الجولاني”، حيث أثارت العديد من التساؤلات حول دلالاتها وأهدافها، من مسلح مجرم يتصدر المشهد بخطاباته المتطرفة وهيئته المتشددة،
إلى شخص يرتدي ربطة عنق ويتحدث بلغة أكثر مرونة، ويبدو أن هناك تحولاً استراتيجياً يهدف إلى إعادة تسويق الشخصية والتنظيم الذي يقوده.
” تحولات مظهرية بدوافع سياسية؟”
اكيد ان التغيير في هيئة الجولاني ليس مجرد صدفة، بل هو انعكاس لمشروع سياسي أوسع تدعمه قوى إقليمية ودولية، يتزامن هذا التحول مع محاولات إعادة صياغة خارطة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، بما يخدم مصالح بعض الدول التي كانت لاعبا أساسيا في إدارة الأزمات وإعادة تشكيل المجموعات المسلحة وفقاً لأجنداتها.
الجولاني، الذي كان يُعرف بأنه أحد رموز التطرف والارهاب، أصبح اليوم يُسوّق كرجل سياسي يمكنه أن يكون جزءا من مشروع “الشرق الأوسط الجديد”،هذا المشروع، الذي تقوده قوى كبرى كأمريكا وتركيا وبالتنسيق مع الصهيونية العالمية، يسعى إلى تقسيم المنطقة وإضعاف الدول التي ما زالت تقاوم الهيمنة.
تتضح أهداف القوى الداعمة، أمريكا وتركيا والصهيونية واذنابهم، بمحاولة إعادة صياغة المشهد الإقليمي بما يضمن أمن الكيان الصهيوني والسيطرة على مصادر الطاقة، فيما تحاول و تركيا، تعزيز نفوذها في الشمال السوري واستخدام الجماعات المسلحة كورقة ضغط لتحقيق مكاسب جيوسياسية.
يحاول الإخوان المسلمون، البحث عن دور جديد في المنطقة بعد تراجعهم في بعض الدول، وإعادة طرح أنفسهم كقوة قادرة على التعاون مع الغرب.
ورغم الجهود الحثيثة لإعادة تسويق شخصيات مثل الجولاني، فإن الشعوب الحرة في المنطقة باتت أكثر وعيا، من حيث الفهم المتزايد لأبعاد المخططات الدولية والإقليمية وذلك أسهم في تعزيز روح المقاومة لدى العديد من القوى الحرة التي ترى في هذه التحركات تهديداً لسيادة دولها واستقرارها.
في هذا السياق، يشكل وعي الشعوب الحصن الأخير في مواجهة مشاريع التقسيم والهيمنة.
من جانب اخر اثبت محور المقاومة وجوده في ساحات عديدة، لا تزال تُمثل العقبة الأكبر أمام هذه المخططات.
يبدو أن البرمجة الجديدة والتحول الذي يشهده الجولاني”من ذباح الى كيوت” يعكس استراتيجيات أكبر تسعى إلى إعادة رسم المشهد السياسي في المنطقة.
مع ذلك، فاننا على يقين ان الشعوب الواعية والمقاومة الحقيقية قادرة على إفشال هذه المشاريع، كما أثبت التاريخ أن الإرادة الشعبية قادرة على تجاوز أعتى التحديات.
إن محاولات تسويق شخصيات ارهابية مثل الجولاني كجزء من مشروع سياسي “معتدل” ليست إلا خطوة جديدة ضمن سلسلة تحركات تهدف إلى ضرب استقرار المنطقة وتقسيمها وفق أجندات مرسومة مسبقا، لكن الواقع أثبت أن محور المقاومة هو السد المنيع الذي يقف أمام هذه المشاريع.
فالتجارب السابقة، سواء في العراق أو فلسطين أو لبنان او اليمن، أظهرت أن القوى التي تراهن على تقسيم الشعوب وتمزيق أوطانها تجد نفسها في النهاية أمام مقاومة صلبة تتحدى كل المؤامرات.
لذلك، تبقى مسؤولية الشعوب والنخب الفكرية والسياسية قائمة في فضح هذه المخططات، وتوعية الجماهير بأهدافها الحقيقية، والعمل على تعزيز الوحدة الداخلية والوقوف إلى جانب قضايا الحرية والكرامة.
المعركة ليست معركة سلاح فقط، بل هي معركة وعي وفكر وإرادة. وحين تنتصر هذه العوامل، تسقط مشاريع الهيمنة مهما بدا أنها متماسكة في الظاهر.
علي الحاج