ما يخبِّئه الشام للعراق..! الجماعات الطائفية والتكفيرية
لا يختلف المراقبون والباحثون في نوعية الانقلاب الدراماتيكي في سوريا وغرابته، والذي ختم فصله الأخير في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وأنه ليس شأناً داخلياً، بأي نحو، ولا سقوطاً لنظام سياسي ومجيء نظام جديد، وأن لهتأثيرات كبرى على منطقة غرب آسيا، وأنه سيكون نواة تغييرات استراتيجية في البلدان المجاورة، لمصلحة المشروعالأمريكي ــ الإسرائيلي من جهة والمشروع التركي المتحالف معه من جهة أخرى، ليس على حساب محور المقاومة أوالمحور الشيعي وحسب، وإنما على حساب محور التطبيع الأردني المصري السعودي الإماراتي أيضاً، بالنظر للتخطيطله خارجياً، وتحديداً من قبل مثلت الولايات المتحدة الأمريكية و(إسرائيل) وتركيا، ما يعني أن التغيير لم يكن شأناًداخلياً إطلاقاً، فضلاً عن الأدوات التي جرى التغيير على أيديها، وهي أدوات مسلحة متطرفة سلفية طائفية عابرةللحدود.
وما يعنينا في هذه المقاربة، هي تأثيرات قيام حكم مليشياوي طائفي سوري على العراق، بما في ذلك تأثيراته علىالدولة العراقية ووحدة أراضيها وسلطتها، وعلى العملية السياسية وأطرافها السنية (العربية والكردية) والشيعية، ثمعلى المكونين العراقيين الشيعي والسني بشكل خاص. إضافة إلى التهديدات والمخططات الأمريكية والإسرائيليةالمتزامنة مع الانقلاب السوري. وستكون المقاربة واقعية استشرافية، أي أنها تستند إلى معايير الدراساتالاستشرافية المنهجية.
فرضيات المقاربة:
تقوم المقاربة التي نحن بصددها، على تسع فرضيات أساسية:
1- إنّ سوريا الطائفية الجديدة، ستكون تهديداً مستداماً للدولة العراقية عموماً وشيعة العراق خصوصاً، بناءً على ماتفرزه معتقدات الجماعات المسلحة والسياسية الطائفية المسيطرة على مقاليد السلطة، وأهدافها وتحالفاتهاالعابرة للحدود، وهي جماعات تنتمي عقدياً وسلوكياً إلى تنظيمي (القاعدة) و(داعش)، وإن سبق أن أعلنت انفكاكهاتنظيمياً عنهما، ثم تبادل البراءة بينها وبينهما لاحقاً.
2- إنّ الجماعات المسلحة الحاكمة في سوريا، تعمل بذكاء دعائي وسياسي على إخفاء خطابها وأهدافها الطائفيةالتكفيرية الحقيقية، وتمرير خطاب ظاهري سلمي وحقوقي ووطني إيجابي؛ لحين يستتب لها الوضع، وحينها ستعيدالكشف عن وجهها الحقيقي، وأن حسن الظن بها هو نوع من السذاجة السياسية.
3- إنّ سوريا الطائفية الجديدة ستكون أرضاً مفتوحة لجميع الطائفيين العراقيين المعارضين للعراق الجديد ولمايسمى بحكم الشيعة، وسيتقاطرون على سوريا من كل الكرة الأرضية، بكل مشاربهم وعقائدهم، سواء كانوا تكفيريينأو إسلاميين أو قوميين عنصريين أو بعثيين أو علمانيين، وسيعملون ضد العراق انطلاقاً من الأراضي السورية. وإنهؤلاء الطائفيين سيعملون في إطار جماعات مسلحة وسياسية منظمة، وسينسقون نشاطاتهم العسكرية والسياسيةوالإعلامية في إطار مجلس واحد أو ائتلاف موحد.
4- إنّ سوريا ستشهد صراعات ومعارك وتصفيات بين الجماعات المسلحة الطائفية السورية المتحالفة أو المتنافرة،الحاكمة وغير الحاكمة، العربية والكردية، الإسلامية والعلمانية، التكفيرية الوهابية والدينية المعتدلة، المسلحةوالسياسية، وهذا ما يجعل الجماعات الطائفية العراقية، المسلحة والسياسية، المتواجدة أو التي ستتواجد فيسوريا، تنأى بنفسها نسبياً عن هذه الصراعات السورية الداخلية، وتتفرع للعمل ضد العراق وشيعته.
5- إنّ خطاب سنة العراق سيتغير كثيراً، باتجاه التصعيد الطائفي، بما فيه خطاب السياسيين السنة المتحالفين معالشيعة في الحكم، لأنهم سيشعرون بالقوة من خلال الدعم المعنوي والسياسي الذي سيجدونه من سوريا الطائفيةالجديدة، وستزداد مطاليب نخبهم على كل المستويات، كما ستتصاعد المطالبة بتشكيل الإقليم السني أو الأقاليمالسنية المتحالفة مع سوريا الطائفية الجديدة.
6- إنّ بعض الشخصيات والجماعات الشيعية، الدينية والعلمانية، المناوئة للأحزاب الشيعية الحاكمة وجماعاتالمقاومة، ستشكل تحالفات مع الجماعات السنية المستقوية بسوريا الطائفية، وستكون هذه التحالفات عموماً،والجماعات الشيعية المنضوية فيها خصوصاً، الخطر الأمني المجتمعي الأكبر على شيعة العراق، وبشكل يفوق الخطرالقادم من سوريا أو من غرب العراق.
7- إنّ تأثير سوريا الطائفية الجديدة في الواقع العراقي لن يكون تأثيراً استراتيجيّاً، سواء على المستوى القصير أوالمستوى البعيد، أي أن الجماعات العراقية الطائفية المنطلقة من سوريا ومن الداخل العراقي، سوف لن تتمكن، بأيحال، من إسقاط العراق الجديد وما يعرف بحكم الشيعة، وإن جاء ذلك بمساعدة تركية وأمريكية وإسرائيليةوسعودية، وإنما سيتمثل التأثير في مجموعة متراصة من التأثيرات التكتيكية المزمنة، التي تتسبب في أوجاع وصداعوتخريب لا نهاية له، أو إلى أن تقوم دولة وطنية غير طائفية في سوريا، تقضي على تأثير الجماعات الطائفيةوالتكفيرية، المسلحة والسياسية.
8- إنّ حجم الأضرار التي ستلحق بالواقع العراقي جراء نشاطات الجماعات العراقية الطائفية المنطلقة من سورياوالداخل العراقي، سيتناسب عكسياً مع الإعداد والوقاية والفعل الاستباقي للدولة العراقية والأحزاب الشيعيةالمشاركة في الحكم وفصائل المقاومة والحوزة العلمية النجفية؛ فكلما كانت الوقاية شاملة ومركّزة ونوعية وواسعة؛ستكون الأضرار أقل.
9- إنّ الولايات المتحدة الأمريكية ستقف في حقيقة الأمر، موقفاً إيجابياً من تحركات هذه الجماعات، بغض النظر عنموقفها المعارض المعلن، وستستخدمها لابتزاز الدولة العراقية ومصادرة قرارها وزعزعة استقرارها وتهديد وجودالأحزاب الإسلامية الشيعية وجماعات المقاومة، وسيكون في مقدمة موضوعات الابتزاز:
أ– تفكيك جماعات المقاومة ومصادرة سلاحها.
ب– حل الحشد الشعبي ودمج عناصره المحايدة في القوات المسلحة العراقية.
ت– توسيع حجم مشاركة السنة العرب والأكراد في القرار السياسي للدولة.
ث– منع الحضور الإيراني في العراق.
ج– منع تنفيذ أي مشروع استراتيجي مع الصين.
ح– منع أية اتفاقيات تسليحية مع روسيا.
خ– منع أي تعرض عسكري لإسرائيل وأي خطاب كراهية ضدها.
وبخلافه؛ ستقوم أمريكا بإطلاق يد الجماعات التكفيرية والطائفية في المحافظات الغربية، وإعادة التظاهرات فيمحافظات الوسط والجنوب، وقصف مقرات الحشد وفصائل المقاومة، وضرب الاقتصاد العراقي، كمقدمة لإسقاطالدولة العراقية وإعادة احتلالها.
مناقشة الفرضيات:
لعل أول ما يواجهنا عند مناقشة الفرضيات التسع المذكورة، حقائق التفوق العراقي الحالي؛ فلا شك أن العراق أكبرمساحة من سوريا، وأن عدد سكان العراق أكثر من سكان سوريا، وأن العراق أكثر ثراء وإمكانات مادية، وأن الجيشالعراقي والحشد الشعبي أكثر قوة وتجهيزاً مما تملكه الجماعات السورية والعراقية الطائفية المسلحة مجتمعة، وأنالدولة العراقية ليست ضعيفة، رغم معاناتها من السطوة الأمريكية، وأن الأحزاب الشيعية وجماعات المقاومة، باتتأكثر حنكة ويقظة، فضلاً عن الشارع الشيعي العراقي، الذي بات اكثر وعياً ومناعة، وإن كان ذلك نسبياً.
ويعني ذلك صعوبة قيام الجماعات الطائفية الحاكمة في سوريا من تحقيق إنجاز على الأرض فيما لو حرّكت كلحلفائها الأجانب والعراقيين باتجاه العراق، كما حصل بعد العام 2013، خاصة وأن هذه الجماعات المسلحةالسورية منشغلة في تثبيت قواعدها وعقيدتها في الدولة ومفاصلها وجيشها. وبالتالي؛ فإن فرضية عدم قدرة التغييرفي سوريا على إحداث تحولات استراتيجية في الواقع العراقي هي فرضية واقعية، ويدل عليها التفوق العراقي في كلالمجالات.
ولكن هذا لا يلغي حجم الأذى والضرر والتخريب الميداني الذي سيلحق بالعراق، وخاصة شيعته، على يد الجماعاتالعراقية الطائفية المنخرطة في عمليات الجماعات السورية المسلحة الطائفية الحاكمة، فضلاً عن أمريكا وإسرائيلوتركيا والسعودية، وهو أمر طبيعي، بالنظر لكم الثغرات الكبير الذي تعاني منه الوحدة الوطنية العراقية، بسببتعارض كثير من الغايات والأهداف والمطالب والمواقف بين المكونات العراقية، بل داخل المكون الواحد، فضلاً عنالثغرات الواقعية التي يمكن للخصوم الدخول منها، وخاصة في مجال الخدمات والنزاهة الإدارية والمالية والأخلاقية.
الجماعات العراقية الطائفية المنطلقة من سوريا باتجاه العراق:
تتمثل خارطة الشخصيات والجماعات والتيارات العراقية الطائفية التي تعمل أو ستعمل ضد العراق، انطلاقاً منسوريا، في خمسة أطراف أساسية:
1- المجموعات العراقية الطائفية التكفيرية المنخرطة في جبهة النصرة وغيرها من تنظيمات هيئة تحرير الشام،والتي كان أغلبها منخرطاً في الجماعات الإرهابية التي عملت في بغداد والمحافظات الغربية وديالى بعد العام 2003،ثم انخرطت فيما بعد بتنظيم (القاعدة) ثم تنظيم (داعش)، وهي عشرات المجموعات.
2- المجموعات البعثية العراقية المنخرطة في جبهة النصرة غالباً، وهي تضم ضباط الجيش العراقي والمخابراتالسابقين، وهي ذات توجهات دينية طائفية، وقد كان لها ولا يزال دور أساس في عمليات التخطيط والتنظيم والقيادةفي جبهة النصرة.
3- تنظيمات البعث العراقي المستقلة المقيمة في سوريا والخليج وأوروبا، وهي ذات توجهات علمانية، والتي ستقومبنقل عملها ومقراتها إلى سوريا، وستجد احتضاناً ميدانياً شاملاً من تنظيم البعث السوري التابع للقيادة القوميةالعراقية، وهو متحالف رسمياً مع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا منذ العام 1982، ثم امتدت تحالفاته إلىالجماعات الطائفية المدعوة من تركيا بعد العام 2011.
4- المجموعات العراقية التكفيرية العاملة في إطار تنظيمي (القاعدة) و(داعش)، أو المتعاونة معهما، وهي التي لمتنخرط في جبهة النصرة وغيرها من تنظيمات هيئة تحرير الشام. وبما أن التنظيمين متخاصمين مع الهيئة؛ فإنهماسيعملان ضد العراق انطلاقاً من الأراضي التي تخضع لسيطرتهما.
5- الجماعات الطائفية العراقية المستقرة في بعض دول الخليج والأردن وتركيا وأوروبا، فضلاً عن إقليم كردستانالعراق، الدينية والعلمانية، مثل هيئة علماء السنة التي أسسها حارث الضاري وجماعة عبد الناصر الجنابي وغيرهما.
وسيكون حراك هذه الأطراف الخمسة، سريعاً وكبيراً ونوعياً، لأسباب كثيرة، أهمها:
أولاً: المعنويات العالية التي باتت تتمتع بها بعد سقوط نظام الأسد.
ثانياً: عودة سوريا إلى الحضن التركي العربي الطائفي، وما تعتبره هزيمة نوعية للشيعة ومحورها في فلسطين ولبنانوسوريا.
ثالثاً: ما تحمله من مخزون رهيب من مشاعر الحقد والانتقام والثأر ضد العراق الجديد، وخاصة الشيعة.
رابعاً: ما سيضعه الحكم المليشياوي الطائفي السوري تحت تصرفها من أراضي وإمكانيات لوجستية وإعلامية غيرمحدودة.
خامساً: الرعاية المالية والمخططاتية والمخابراتية واللوجستية والإعلامية التي ستحظى بها من تركيا وأمريكاو(إسرائيل) والسعودية والإمارات وقطر والأردن.
معالم حراكات الأطراف التكفيرية والطائفية:
ستتلخص معالم حراكات الأطراف التكفيرية والطائفية الخمسة المذكورة، والمنطلقة من سوريا والمحافظاتالعراقية الغربية؛ بما يلي:
1- ستشكل إطاراً موحّداً يجمع أغلبها، وينسق عملها سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، بهدف إسقاط الدولة العراقية،وإعادتها إلى الحضن العربي السني الطائفي. وسيحمل الإطار اسماً وطنياً عاماً، وليس جهادياً أو طائفياً أو دينياً،وسيعلن عن غايات وأهداف وطنية براقة، لاستمالة جميع المعارضين، بمن فيهم بعض الشيعة.
2- سيكون لهذه الجماعات وإطارها الموحد، مكاتب ومقرات سياسية وإعلامية ومالية، وخاصة في دمشق،ومعسكرات تدريب في الأراضي السورية القريبة من الحدود العراقية السورية، وخاصة في دير الزور والميادين والجلاءوالبو كمال.
3- ستحظى بدعم مالي ولوجستي ومخابراتي من حكومات أمريكا وتركيا و(إسرائيل) والسعودية والإمارات وقطروالأردن، وهو دعم هدفه المناورة من خلال زعزعة الأوضاع في العراق وإضعاف الشيعة، من أجل الحصول علىمكاسب وتنازلات من الدولة العراقية والأحزاب الشيعية المشاركة في الحكم.
4- ستقوم بالتمدد إلى داخل العراق، عبر إعادة حضورها ضمن حواضنها الاجتماعية في محافظات الأنبار وصلاحالدين ونينوى، والتعاون مع الخلايا المسلحة النائمة، وخاصة خلايا حزب البعث وجيش الطريقة النقشبندية وكتائبثورة العشرين و(ثوار العشائر)، وبقايا (القاعدة) و(داعش) وغيرها، وهو العمل الأهم والأخطر والأسهل في الوقتنفسه.
5- ستتوحد الجماعات البعثية العراقية في تنظيم واحد مقره دمشق، لأول مرة بعد العام 2003، وستعمل على إعادةأو توسعة تنظيماتها داخل المدن العراقية، بما في ذلك مدن الوسط والجنوب، كما ستجد نفسها لأول مرة تتحركبحرية كاملة في جغرافيا متاخمة للعراق، ولصيقة بحواضنها الاجتماعية في المحافظات الغربية العراقية، وعلىحدود طولها مئات الكيلومترات، وهو ما لم تكن تحلم به يوماً.
6- ستقوم هذه الجماعات، ولا سيما البعثية، باستدعاء الشخصيات والجماعات البعثية والقومية العربية الإيرانية، أوما يعرف بتنظيمات عرب الأهواز، والتي ستأتي من كل بلدان العالم، لتتجمع في سوريا، وستدعمها الجماعاتالسورية الحاكمة بقوة، فضلاً عن بعض الأنظمة العربية الطائفية، وسيكون خطابها وعملها موجهاً إلى شيعة العراق،قبل إيران، وستتوحد هذه الجماعات سياسياً وعسكرياً وإعلامياً في إطار موحّد مقره دمشق، لأول مرة في تاريخها.
7- سيتم إطلاق سراح أكثر من (100) ألف مسلح تكفيري وطائفي معتقل في مختلف السجون داخل الأراضيالسورية، وخاصة سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وجبهة النصرة وأخواتها المنضويات تحت يافطة هيئةتحرير الشام، والجيش الحر، فضلاً عن سجون الجيش الأمريكي والجيش التركي في الأراضي السورية، وأغلبهم منعناصر تنظيمي (داعش) و(القاعدة)، وهم ينتمون إلى نحو (70) جنسية، بمن فيهم العراقيون والعرب والإيرانيون،وهم محاربون محترفون، وسيكون إطلاق سراحهم إما بالقوة من قبل تنظيمي (داعش) و(القاعدة) وغيرهما، أو منقبل هيئة تحرير الشام وحلفائها، كما حصل خلال الأيام الأولى التي أعقبت سقوط دمشق؛ إذ تم تبييض السجونوإطلاق سراح آلاف من المعتقلين التكفيريين أو المجرمين العاديين. وسيكون إطلاق سراحهم لعبة أخرى للقواتالتركية والأمريكية؛ بهدف الابتزاز.
ومن المتوقع أن يصل مجموع العناصر المسلحة لهذه الجماعات ومعها الخلايا النائمة في محافظات غرب العراق،إلى ما يقرب من (250) ألف عنصر مسلح، وسيتسللون بالتدريج إلى داخل العراق وأرياف مدن الغربية، ويتجمدونفي مضافات جديدة، بانتظار ساعة الصفر. وليس من الضروري أن يكونوا هؤلاء المسلحين ضمن تحالف سياسي أومليشياوي واحد، كالذي نتوقع تشكيله؛ لأن بعض الجماعات، كداعش والقاعدة وغيرهما، سوف لن ينخرطوا فيتحالف واحد مع هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات المسلحة، البعثية والقومية العربية والكردية.
محاولات استقطاب بعض الشيعة:
لعل الخطر الأكبر والأهم الذي ينطوي عليه حراك الأطراف التكفيرية والطائفية العراقية الخمسة التي مرّ ذكرها،يكمن في عدم اقتصاره على السنة العرب في العراق، بل أنه سيعمل بجدية لاستقطاب بعض شيعة الوسط والجنوب،من خلال إنتاج خطاب قومي عنصري ووطني انعزالي خاص، بهدف دغدغة مشاعرهم القومية واستمالتهم. وسيتمالترويج لهذا الخطاب عبر قصف دعائي مركّز وحراك أمني دقيق، لفرض تحولات في التفكير والمواقف لدى الشيعة،وسيكون من شأن هذه التحولات تضخيم مساحات الخلاف التقليدية بين شيعة العراق وخلق بؤر جديدة للخلاف،بهدف تمزيقهم اجتماعياً وسياسياً ومرجعياً.
وسيكون العمل ضد الحركات الإسلامية الشيعية الحاكمة وجماعات المقاومة والحشد الشعبي، وكراهية إيران،ومعارضة مراجع النجف من أصول غير عراقية، ورفض مشاريع التضامن مع شيعة البلدان الأخرى، ضمن أولوياتهذا الخطاب. كما سيكون إنتاج هذا الخطاب وصناعة وسائل ترويجه، من اختصاص التنظيمات البعثية العراقية،بمساعدة التنظيمات البعثية والقومية العربية الإيرانية (الأهوازية). وسيجد هذا الخطاب صدىً إيجابياً لدى بعضالشخصيات والخطوط والجماعات الشيعية العراقية الخاصة، السياسية والدينية والعلمانية، بمن فيهم أصحابالانتماءات البعثية القديمة وأبنائهم.
ومن المتوقع أن يبلغ التفاعل مع هذا الخطاب مستوى ظهور تحالفات سياسية وإعلامية وميدانية قومية عربية،وبعناوين وطنية، تضم أربعة أطراف عراقية:
1- الشخصيات والجماعات السنية العراقية المستقوية بسوريا الطائفية الجديدة، سواء المتواجدة في سوريا أوبغداد والمحافظات الغربية.
2- الشخصيات والجماعات الشيعية المناوئة لإيران وللأحزاب الشيعية وجماعات المقاومة، بمن فيهم بعضالمحسوبين على المتدينين والمعممين.
3- البعثيون العراقيون (الشيعة) في جنوب العراق، العاملون بأسماء تنظيمية جديدة، إضافة إلى البعثيين السابقينوأبنائهم.
4- الشخصيات والجماعات العلمانية والشيوعية.
وستبادر هذه الأطراف الأربعة إلى تحريك جمهور المحافظات الشيعية في الوسط والجنوب، ودفعهم للقيامبتظاهرات مطلبية في ظاهرها، بما يشبه ما حدث سابقاً، وستكون ساعة الصفر للزحف نحو بغداد حينها مختلفة عماحدث في العامين 2013 و2014؛ لأنه سيكون زحفاً متزامناً متجهاً من الجنوب والوسط (المحافظات الشيعية)والشمال والغرب والشرق (المحافظات والمناطق ذات الأكثرية السنية) باتجاه بغداد، من أجل إسقاط الدولة. فيحين ستبقى سلطة إقليم كردستان وحزبها الرئيس محفزين وداعمين إعلامياً وسياسياً لهذا الزحف؛ بانتظار حصدالنتائج، لا سيما أن ما حصل في سوريا كان لمصلحتهما.
ما لعمل؟:
ما سبق يوضح بشكل إجمالي ما يتم التخطيط له منذ اللحظة الأُولى لسقوط دمشق، وبدأ العمل به على الأرضتدريجياً، وهي تمثل مخططات نظرية طموحة للجماعات الطائفية والدول التي تقف وراءها، وهي تمثل بمجموعهامسارب التأثير السلبي لسوريا الطائفية الجديدة على الواقع العراقي عموماً والشيعي خصوصاً، من النواحي الأمنيةوالسياسية والاجتماعية والإعلامية، ولكن ليس بالضرورة أن تتحقق، كلها أو بعضها؛ لأن ذلك سيكون رهناً بالإعدادوالوقاية والفعل الاستباقي الشامل الذي ستبادر إليه الدولة العراقية والأحزاب الشيعية الحاكمة وجماعات المقاومةوالحوزة العلمية النجفية. في حين أن الاكتفاء بمراقبة الأوضاع وتأمين الحدود العراقية السورية والتحشيد العسكريوتكرار شعارات اللحمة الوطنية، المصحوبة بالتنازل والترضيات والخوف والتقهقر؛ سيؤدي إلى انهيارات حقيقيةهذه المرة، و((العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)) كما يقول الإمام علي.
أما بشأن ما يمكن لأمريكا والجماعات الطائفية والتكفيرية أن تفعلانه وتحققانه من أهداف داخل العراق، والعملالوقائي والاستباقي الشامل الذي يمكن للعراق ومؤسساته السياسية والعسكرية والدينية القيام به تجاه تهديدالجماعات التكفيرية والطائفية من جهة، والتهديد الأمريكي من جهة أخرى؛ فسنخصص له مقاربة أُخرى قادمة..