خيانة العرب وفهم نتنياهو للبعد المستقبلي للمنطقة
خيانة العرب وفهم نتنياهو للبعد المستقبلي للمنطقة
لم يكن تصريح بنيامين نتنياهو الأخير حول “إسرائيل الكبرى” مجرد انفعال عابر أو زلة لسان، بل هو تعبير عن رؤية عميقة لواقع عربي متهالك أفرزته عقود من التنازل والتطبيع وخيانة القضية الفلسطينية. فنتنياهو، الذي قضى سنواته في الحكم وهو يختبر موازين القوى في المنطقة، يدرك أن ما شجّعه على رفع سقف أحلامه التوسعية ليس قوة إسرائيل بحد ذاتها بقدر ما هو ضعف الموقف العربي وتخلّي كثير من الأنظمة عن فلسطين كقضية مركزية للأمة.
التطبيع… الخيانة الممنهجة
المشهد العربي اليوم يكشف عن دول اختارت الارتماء في حضن تل أبيب، متذرعة بمصالح اقتصادية أو أمنية أو سياسية آنية، متجاهلة أن التطبيع لا يوقف الأطماع الصهيونية، بل يمنحها شرعية جديدة للتوسع والتغلغل. خيانة القضية الفلسطينية من بعض العواصم لم تضعف المقاومة فحسب، بل دفعت نتنياهو إلى أن يتحدث علناً عن مشروع “من النيل إلى الفرات”، وكأنه يرى أن الطريق بات معبداً وأن الكيان لم يعد بحاجة لإخفاء أطماعه.
العراق… الحصن المنيع
لكن الصورة ليست قاتمة بالكامل. فالعراق – شعباً ومقاومة وجمهوراً – يقف على الضد من هذا المشروع ومن أي محاولة لجرّه إلى مستنقع التطبيع. قد تكون هناك ضغوط سياسية أو مواقف حكومية رخوة ومنبطحة أحياناً أمام إملاءات دولية، إلا أن الجوهر الشعبي والوطني في العراق يبقى ثابتاً: لا للتطبيع، لا للمشروع الصهيوني، ولا لإسرائيل الكبرى.
العراقيون الذين خبروا الاحتلال والهيمنة يدركون أن مشروع نتنياهو ليس مجرد شعار، بل خطة استعمارية تستهدف مصير المنطقة بأسرها. ولهذا فإن العراق بمقاومته وشعبه الواعي يشكل اليوم أحد أهم خطوط الردع أمام مخططات التوسع الإسرائيلي.
البعد المستقبلي كما يراه نتنياهو
إن ما جعل نتنياهو يجرؤ على استحضار “الرؤية التوراتية” لأرض الميعاد، هو يقينه بأن الانقسام العربي والتطبيع المعلن قد شق الصف وأضعف الإجماع على فلسطين. لكنه في المقابل يخطئ التقدير إذا اعتقد أن الشعوب – وفي مقدمتها الشعب العراقي – ستسير في هذا المخطط. فما تزال فلسطين حيّة في ضمير الأمة، وما تزال المقاومة في الميدان تذكّر بأن هذه الأرض لا تباع ولا تُشترى.
جمال نصر الله