ثمانية أعوام على النصر

17

ثمانية أعوام على النصر

ثمانية أعوام تمضي .. وما تزالُ راية النصر تخفق فوق أرض العراق، تذكر العالم كله أن هذا الشعب .. حين ينهض تتحطم أمامه جيوش الظلام مهما عظمت أدواتها أو امتدت حواضنها ..

ففي مثل هذه الأيام لم يُكتب العراقيون صفحة عابرة من تاريخهم ، بل صاغوا ملحمة خالدة حملها الحشد الشعبي والجيش والشرطة الاتحادية والرد السريع والفرقة الذهبية وجهاز مكافحة الإرهاب وكل صنوف القوى الأمنية، رجالاً ونساءً، مجاهدين ومرابطين، كانوا سداً من نور وقف أمام إعصار أراد بالعراق السقوط والخراب.

لقد أثبتت تلك السنوات أن الدماء الزكية التي سالت، والآهات الصابرة التي أطلقها الجرحى، لم تكن مجرد لحظات عابرة في سجل حرب قاسية، بل كانت الجسر الذي عبر عليه العراق نحو الأمان والسيادة والهوية .. من دون تلك الأرواح الطاهرة، ومن دون تلك التضحيات الشجاعة، لما كان العراق اليوم قادراً على الوقوف بثبات، ولا على استعادة مؤسساته، ولا على حماية شعبه من الوحشية التي أرادت اجتياحه.

ولأن النصر لا يولد من فراغ، فإن الذاكرة العراقية تحفظ جميل الرجال الذين حملوا أمانة الأمة.

شكرا للحاج قاسم سليماني، الذي كان في الليلة الظلماء بصيرة للمجاهدين، حاضراً في الخطوط الأمامية، صادقاً في مشورته، لا يبتغي إلّا وجه الله وحرية الشعوب.

وشكرًا للحاج أبو مهدي المهندس، روح العراق المقاومة، الأب الذي جمع الساحات، والقائد الذي فهم طبيعة المعركة قبل انفجارها، فأسّس للحشد الشعبي منهجاً وموقعاً ودوراً تاريخياً لا يمكن محوه.

كما تنحني الكلمات إجلالاً لـ المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، التي لولا فتواها الشجاعة، لما نهض الفتية من كل المحافظات وهم يحملون عقيدة الدفاع عن الأرض والعِرض والمقدّسات. كانت الفتوى صوت الله في زمن أراد فيه الشر أن يملأ الأرض ظلاماً، فخرج العراقيّون يلبّون النداء من دون تردّد.

وللعراق دين كبير في أعناق الجمهورية الإسلامية في إيران التي قدّمت السلاح والمال والمستشارين والأصدقاء في أصعب لحظات الدولة .. حين تردد الآخرون، تقدّمت إيران؛ وحين تخلى كثيرون، ثبتت إيران؛ فكان عطاؤها سنداً مباشراً للحشد والقوات المسلحة في أن يحسموا المعركة لصالح العراق.

ولا يمكن أن نغفل صوت المقاومة الممتد من لبنان.

شكرًا للسيد حسن نصر الله، القائد الذي يعرف معنى المعركة الكبرى بين محورين: محورٍ يريد أن يُبقي شعوبنا أحراراً، وآخر يزرع الفوضى ليفتح أبواب الهيمنة. وشكرًا لحزب الله على دعمه المعنوي والعسكري والإعلامي، فقد حمل العراق في قلبه، كما يحمل فلسطين، بوصف المعركة واحدة والعدو واحداً.

إن الذكرى الثامنة ليست مجرد إحياءٍ لمشهد النصر، بل تجديدٌ للعهد مع دماء الشهداء، وتأكيد أن معركة العراق مع الإرهاب لم تنته ، بل تغيرت وجوهها وأدواتها .. فالحفاظ على النصر يكون بالوعي، وبالثبات على خيار المقاومة، وبتحصين الدولة من الاختراق، وبمنع أي مشروع خارجي يحاول أن يعيد العراق إلى دائرة الضعف أو الارتهان .. ثمانية أعوام مرت، وما تزال صور الشهداء تعلم الأجيال معنى الوطن ..

وما تزال كلمات المرجعية ترسم الطريق .. وما تزال سواعد المجاهدين تذكرنا أن العراق لا يُحفظ إلا برجاله .. وما يزال محور المقاومة يثبت أن هذه الأمة، مهما تكالبت عليها القوى، تصنع مصيرها بيدها. هذا هو العراق…

وهذه هي الحقيقة التي حاول العالم تجاهلها: أن نصراً وُقع بالدم… لا يُمحى بالتشويه، ولا تُغيره السياسات، ولا تقوى عليه الزوابع مهما اشتدت.

علي جاسب الموسوي