المقاومة تضاد التطابق الاجتماعي

8

((المقاومة تضاد التطابق الاجتماعي))

منذ أن انبثق الإسلام، زخرت في صدره المقاومة، فكانت نشأة الإسلام مقاومة في تصنيفات كثيرة: تارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتارة الهوية الإسلامية، وتارة الميدان. فكل صور الإسلام مقاومة. ولأن القرآن الكريم يحتوي على دلالات تؤكد أن التطابق الاجتماعي والأكثرية التي تقولب المجتمع هي باطلة، لذا تجد التصاريح الإلهية تبين ذلك،

كما قال تعالى: “ولكن أكثر الناس لا يعلمون” (سورة الأعراف، آية 187).

ومن هنا تجد أن المقاومة تكون من قلة، أو أنها نوعية في التكوين العقلي والعقدي، حيث تختلف عن السياق التطابقي المقولب للمجتمع. ولكن، رغم الاختلاف، لا يمنع المقاوم من أن يكون في قلب المجتمع وأكثر فاعلية من غيره.
ولعل هذه الخصائص قد ذُكرت في التراث الإسلامي، حيث قال الإمام علي عليه السلام: “العزلة أفضل شيم الأكياس.”

والأكياس جمع كيس، والكيس هو الذكي. إذ لا بد أن يتحلى المسلم المقاوم بأن يكون منعزلاً عن الفكر التطابقي. هذه العزلة لا تعني الهروب من المجتمع، ولكنها تعني أن لا تسلم وتتحول إلى القالب المادي الذي يصنعه الاستكبار. وإن اصطلاح الاستكبار ظهر في الجاهلية، فإن قريش كانت عبارة عن عقل مادي، أسياد بالقوة التطابقية. من يعبد الواحد الأحد يكون منبوذاً في نظرهم، لأن التطابق الناشئ عن عبادة الأوثان كان سائدًا. فكل من يخرج عن هذه القولبة يُعتبر ناشزًا.
اليوم، يتكرر المشهد. إذ أن العالم يشهد تطابقًا ماديًا، حيث تسعى المجتمعات لاستيراد منهاج الغرب الذي يرفع شعار الإنسان الليبرالي، حراً في شهواته وميتًا في الحياة، لا كرامة ولا عزة ولا رسالة له. “عِش كالبَهيمة حتى نهايتك.” كما تعلمون، هناك كلمة حقيرة تُستخدم اليوم: “صافح أمريكا ستعيش سعيدًا.” وهذا تجلٍّ للتطابق.

بينما رسالة الإسلام والمقاومة تعني أنك حر في صميم الحياة، ولديك غاية ورسالة. وهذه المعالي لا تجدها إلا في من يخرج عن التطابق مع المجتمع، أي المقاوم.