نظرية المقاومة في فكر الإمام الخامنئي

0 32

نظرية المقاومة في فكر الإمام الخامنئي إنّ مسؤوليّة المعنيين بالشأن التربوي تعزيز التربية الفطرية المقاومة لدىالإنسان، وتوجيهها وصونها في مقابل الهجمات التي تخدش الفطرة السليمة

57a75dcf-fc24-4021-a834-66b05ff9fa0b.jpg

برز عنوان المقاومة كنظرية شاملة ومتكاملة في العصر الحديث مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بالرغم من أنّه كانموجوداً كفكرة أو ممارسات هنا وهناك، إلا أنّ الهيمنة الظاهرية للقوى المستكبرة وسيطرتهم المادّية على العالم وتقسیمهم إياه في ما بينهم لمعسكرين: شرقي وغربي من جهة، وتقاعس الحكام والنخب في العالم الإسلامي وانبطاحهم وعقدة الدونية والهزيمة الذاتية لديهم وعدم قيامهم بواجباتهم ومسؤولياتهم السياسية والفكرية مقابل هذهالهيمنة من جهة أخرى، لم يترك للشعوب خياراً سوى الاستسلام والرّضوخ لمشهد النظام العالمي الظالم كأمر واقع لا بدّمنه وحقيقة مرّة لا يمكن تغييرها.

في مثل هذه الظروف الحالكة قاد الإمام الخميني أعظم ثورة شعبية في العالم حتى الانتصار، واعتبر القوى الماديةوبريقها لا شيء، ورفع راية النهضة والنضال في وجه الطغاة، وأحيا روح العزّة والإباء والتحرّر ليس لدى الشعبالإيراني المسلم فحسب، بل في ضمائر المسلمين والمستضعفين في أنحاء العالم، فأيقظهم من سُباتهم، ورسم أمامهم طريقاً ثالثةً “لا شرقيةً ولا غربية”، وأثبت لهم بشكل عملي كيف تكون الثورة والانتصار، فتلقّفت الشعوبُ درسَه وانطلقتنحو التطبيق بشكلٍ أو بآخر.

بعد رحيل الإمام الخميني قاد الإمام الخامنئي هذه الثورة نحو أهدافها التحررّية العالمية بنفس الزخم والصلابة، فقدّمللشعوب المسلمة والمستضعفة طرحاً نظرياً متماسكاً عقلانياً وفطرياً، ومشروعاً عملياً واسعاً لمقاومة الغطرسة في المنطقةمن خلال دعم الحركات المقاومة، فكانت النتيجة باهرة، وظهرت حقيقة جديدة وظاهرة غير مسبوقة نطلق عليها اليوممصطلح “جبهة المقاومة”.

وكما أشرنا، يستند هذا الإنجاز العظیم وتأسيس جبهة المقاومة إلى تنظير علمي عميق من جهة وتطبيق عملي قوي منجهة أخرى، ففي الميدان الفكري ساهم الإمام الخامنئي بشكل كبير جدّاً في تكريس نظرية المقاومة والتنظير لها وصناعةالخطاب حولها، وفي الميدان العملي أنجز سماحته أهمَّ الخطوات الضرورية لإسناد المجموعات الشعبية المؤمنة بفكرةالمقاومة في المنطقة وتقويتها حول محور قضية فلسطين وبعيداً عن النزعات الطائفية و النعرات المذهبية، فأصبح بحقّ“إمام جبهة المقاومة” على المستويين الفكري والعملي. كما أنّ سماحته يدعو المفكّرين والباحثين وخاصة الشبابَ منهملترويج هذه النظرية وتبيينها ويقول

“روِّجوا نظرية المقاومة مقابل العدو القويّ وبيّنوها. نظرية المقاومة نظرية أصيلة وصحيحة، سواء على المستوىالنظري أو على المستوى العملي، ويجب أن تروّج من كلا الناحيتين النظرية والعملية، وأنتم الشباب تستطيعون تبييننظرية المقاومة هذه بشكل جيد جداً. من الناحية النظرية معناها أن تبيّنوا وتوضّحوا للجميع أنّ هدف الاستكبار هوالسيطرة والهيمنة والتسلط على الشعوب، ومن الناحية العملية نعتقد أن تيار المقاومة هو حقُّ الشباب في العراقوسوريا ولبنان وفي شمال أفريقيا وفي مناطق شبه القارة وأطرافها، وتعزيز هذه التيارات وتعضيدها يعني تعضيدنظرية المقاومة”.

(كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه حشداً من طلبة المدارس والجامعات بتاريخ 2018/11/03)

هذه المادة محاولة متواضعة لتقديم ملخّص عن أطروحة الإمام الخامنئي حول مفهوم المقاومة وأسسها الفكرية وأركانمنطقها وأبعادها، لتكون مدخلاً نظرياً لمنهج تربوي قائم على نظرية المقاومة.

مفهوم المقاومة

يرتبط تعريف الإمام الخامنئي لمفهوم المقاومة بــ 5 عناصر: اختيار الإنسان وإرادته، السير في الطريق الحقّ نحوالأهداف المتسامية، وجود الموانع والعقبات في الطريق، عدم التوقّف والانصراف عن مواصلة الطريق، وابتكار أسلوبعقلائي لتخطّي العقبات.

بناءً عليه، عندما يختار الإنسان السير في الطريق الحقّ ويواجه الموانع والعقبات في هذا الطريق قد يستسلم وينكفئعن مواصلة الطريق، وقد يُصرّ على ذلك فيجد طريقاً عقلائياً لإزالة الموانع واجتياز العقباتُ فيستمرّ بالسير نحو الهدفالمتعالي. الفرضيّة الأولى هي الاستسلام والفرضيّة الثانية هي المقاومة.

يقول سماحته: “معنى المقاومة أن يختار الإنسان طريقاً يَعُدُّه الطريق الحقّ والطريق الصحيح ويسير فيه، ولا تستطيعالموانع والعقبات صدّه عن السير في هذا الدرب وإيقاف مسيرته. افترضوا مثلاً أنّ الإنسان يواجه في طريقه سيلاً أوحفرة، أو قد يواجه صخرة كبيرة في حركته في الجبال حيث يريد الوصول إلى القمة، البعض عندما يواجهون هذهالصخرة أو المانع أو العقبة أو السارق أو الذئب يعودون عن طريقهم وينصرفون عن مواصلة السير، أما البعض فلا،ينظرون ويفكّرون ما هو طريق الالتفاف على هذه الصخرة، وما هو السبيل لمواجهة هذه العقبة، فيجدون ذلك الطريق أويرفعون المانع أو يتخطّونه بأسلوب عُقلائي. هذا هو معنى المقاومة». (كلمة الإمام الخامنئي في الذكرى الـ30 لرحيلالإمام الخميني بتاريخ 2019/06/04)

والجدير بالذكر أنّ “المقاومة” و “الصبر” في أدبيات الإمام الخامنئي مفردتان مترادفتان. ففي محاضراته التي كانيُلقيها في مسجد الكرامة في مدينة مشهد سنة 1973 (6 سنوات قبل انتصار الثورة الإسلامية)، تطرّق فيها إلى مفردةالصبر في الروايات الشريفة بهدف تصحيح مفهومه وإعادة تعريفه بنهج ثوريّ وبعيداً من المفهوم الرائج للصبروالداعي إلى الانهزام وتكبيل الأيدي والخنوع أمام الطاغوت والاستسلام للواقع حيث يقول: “وفقاً لما يتمّ استحصاله منمجموع الروايات يمكن تعريف الصبر على النحو التالي: مقاومةُ السالكِ لطريق التكامل الدوافع الباعثة على الشرّوالفساد والانحطاط. فالصبر يعني الوقوف مقابل جميع هذه الموانع والعقبات ومقاومتها والعبور عنها والتخلّص منهابإرادة وعزيمة راسختين”. (كتاب بحث حول الصبر؛ ص 24 و25). كما أنّه توجد مصطلحات أخرى قد يستخدمها القائدلتبيين مفهوم المقاومة، كالصمود والثبات والاستقامة.

عقلانية نظرية المقاومة وفطرية منطقها

على الرغم من محاولات البعض لتأطير المقاومة وتحديدها ضمن أطر طائفية أو حدود مذهبية، أو السعي للنيل منهاوتشويه صورتها بدعوى ارتكازها إلى الانفعال العاطفي والمشاعر الزائلة أو الاندفاعات العابرة وعدم اعتمادها علىأسُسٍ منطقية وواقعية، لا يعتمد الإمام الخامنئي في تبيينه لنظرية المقاومة على الأدلّة الشرعية النقلية کالقرآنوالأحاديث فحسب، بل يؤكّد على البعد العلمي والمنطقي لها وحُسنها العقلي الذاتي، ويقول: “فضلاً عن أنّ القرآنيصرّح بهذه النظرية، فإنّ العقل السليم أيضاً يعضدها ويؤيّدها. مواجهة الظلم والدفاع عن المظلوم وعدم التعاون معالظالم وعدم مساومته أمر يستحسنه كلّ عقلاء العالم». (كلمة الإمام الخامنئي في الذكرى الـ30 لرحيل الإمام الخمينيبتاريخ 2019/06/04) 

فخلافاً لما قد یتمّ الترويج له بأنّ النزعة الثورية والمقاومة تعارض المنطق والعقل والعقلانية، نفهم من كلام القائد أنّه يقدّمنظرية المقاومة من منطلقات منطقية وعقلانية وعلمية، ومن الواضح أنّ هذه النظرة المتقدّمة تفتح آفاقاً جديدة لمفهومالمقاومة وتسهّل عمليّة توسعة جبهتها على مستوى الإنسان بما هو إنسان، بغضّ النظر عن دينه ومذهبه وعرقه،وسنشير إلى بعض مدلولات هذه النظرة وآثارها

يقول الإمام الخامنئي إن: “العدوّ الذي يتجنّب الإنسان العاقل الاحتكاك والاصطدام به ليس العدوّ الذي يستهدف هويةذلك الإنسان ومصالحه الحيوية وأساس وجوده. مقاومة مثل هذا العدوّ حكم قاطع من أحكام العقل الإنساني،والاستسلام مقابله نقيض ما يحكم به العقل تماماً. إذ من البديهي أنّ الخسارة الأكيدة الناجمة عن الاستسلام لهذا العدوّهي نفسها الخسارة المحتملة الناتجة عن مواجهته، مضافاً إلى الذلة والامتهان». (كتاب نظرية المقاومة؛ ص 72).

إنّ التعمّق في هذه النظرة العقلانية يستتبعه الاعتقاد بفطرية منطق المقاومة (بمعنى كون منطق المقاومة أمراً فطريّاً)،وهذا الاعتقاد بدوره سيؤثّر بشكل كبير جدّاً على التنظير لمنهج “التربية على المقاومة” بناءً على نظرية “التربية علىالفطرة”. فطرية منطق المقاومة يمكن تفسيرها من الناحية العقلية والأخلاقية؛ فهي تعني على المستوى العقلي أنّها منالأوّليات أو المعقولات بالطبع كما يعبّر عنها فارابي أو ما تُسمّى ب‍ “قضايا قياساتها معها” لدى ابن سينا، وهي القضاياالتي يكفي لتصديقها تصوّر موضوعها ومحمولها، لأنّ الحدّ الوسط الضروري تصوّره فيها مركوز في الفطرة وثابت فيالذهن أصلاً

أمّا على المستوى الأخلاقي فيمكن القول إنّ الإنسان مفطور على المقاومة كما هو مفطور على قيم أخلاقية فطرية أخرى ك‍“الحياء”، فإنّها غريزة إنسانية وليست اكتسابية كما يعبّر عنها صدر المتألّهين الشيرازي، وكلّ ما في الأمر أنّها بحاجةللحفاظ والتربية والتقوية والتوجيه وليس التعليم من الصفر. ف‍كلّ مولود يولد على فطرة المقاومة، ولكن عدم الاهتمامبهذه الموهبة الإلهية والإهمال في التربية المناسبة من قبل المعنيين قد يُبعده عن فطرته المقاومة أو يؤدّي إلى انحرافه عنالطبيعة البشرية وخروجه عن الجِبِلّة الإنسانية ليهبط إلى مستوى الخنوع والاستسلام. فالأصل هو المقاومة،والاستسلام هو الخروج عن الأصل والإنسانية.

وبناء على كلا التفسيرين العقلي والأخلاقي من فطرية منطق المقاومة، تكون نظرية المقاومة عالمية وإنسانية وعابرةللحدود، وليست طائفية أو مذهبية. وهذا هو سرّ جاذبية الإمام الخميني وعالمية ثورته وديمومة نهجه، إذ إنّ رسائلهومنها المقاومةرسائلُ فطريةٌ عالميةٌ ویخاطب فطرة الإنسان بما هو إنسان، والفطرة ثابتة لا تتبدّل ولا تتغيّر. ﴿فِطْرَتَ اللَّهِالَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾. (الروم؛ 30) يقول الإمام الخامنئي في بيان الخطوة الثانية للثورة الإسلاميةبعد مرور 40 عاماً من انتصار الثورة: “یُمکن افتراض مدّة زمنيّة معيّنة وتاريخ انتهاء صلاحيّة لکلّ شيء، إلا أنّالشعارات العالمیة لهذه الثورة الدینیة مستثناة من هذه القاعدة، فهي لن تكون عدیمة التأثير والفائدة أبداً، لأّنّها متجذرّةفي فطرة الإنسان في جمیع العصور”. (بيان الخطوة الثانية للثورة الإسلامية بتاريخ 2019/02/13).

منطق المقاومة والرؤية الكونية التوحيدية

قلنا إنّ نظرية المقاومة نظرية عقلانية ومنطقية، ومنطقها فطريّ. فينبغي أن نبحث عن نقطة ارتكاز هذا المنطق الفطريونبيّن ابتنائه على الرؤية الكونية التوحيدية وعلاقته بالأيديولوجية الإسلامية. فبحسب الإمام الخامنئي، إنّ نظريةالمقاومة قائمة على الرؤية الكونية التوحيدية والأيديولوجية الإسلامية. لأنّ “كلّ الممكنات والموجودات تنبع من مكانواحد ومن مبدأ واحد و من قدرة واحدة خلقتها وأوجدتها وصنعتها، فالكلّ عبيد أمامها والكلّ أسرى قدرتها والكلّ ينبغيأن يطيعوها، فلا يحقّ لأحد أن يضع رأسه محلّ قدم شخص آخر، كما لا يحقّ لأحد أن يضع قدمه محلّ رأس شخص آخر”. (كتاب الفكر الإسلامي على ضوء القرآن الكريم؛ ص 203).

فهذه الرؤية الكونية الخالصة الفطرية تؤسّس للإطار النظري لنظرية المقاومة، إذ تقسّم العالم إلى صفّين؛ الصفّ الأوّلهو صفّ الله، والصفّ الآخر هو صفّ ما سوى الله. وهذا الصفّ الآخر يشمل جميع ذرّات العالم على حدّ سواء كعبيد لله،فتدعو الإنسان إلى العبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى من جهة، وإلى رفض عبودية ما سوى الله من جهة أخرى. لأنّالطاعة والتبعية والانقياد والاستسلام لما سوى اللهأيّاً كان؛ سواء الأهواء النفسانية أو الشياطين الخارجية أو الأنظمةالمهيمنة والقوى الاستكباريةتُعتبر عبودية الطاغوت وتتعارض مع الرؤية الكونية الأصيلة. (كتاب الفكر الإسلاميعلى ضوء القرآن الكريم؛ ص 200 و 259).

أبعاد منطق المقاومة

في كلمته بمناسبة الذكرى الــ 30 لرحيل الإمام الخميني، بيّن الإمام الخامنئي 5 جوانب أساسية في منطق المقاومة، فنذكرها كما هي نظراً لأهميتها ونقوم بتلخيصها وعَنوَنَتها فقط:

1- طبيعية المقاومة: “إنّ المقاومة ردّ فعل طبيعي لأيّ شعب حرّ شريف مقابل العسف ومنطق القوة والظلم، ولا حاجةلسبب آخر. فأيّ شعب يعير أهمية لشرفه وهويّته وإنسانيّته، عندما يرى أنّهم يريدون فرض شيء عليه سيقاوم ويمتنعويصمد، وهذا بحدّ ذاته سبب مستقلّ ومقنع”

2- إمكانية المقاومة: “إنّ المقاومة أمر ممكن، وهذا على الضدّ تماماً من التفكير الخاطئ للذين يقولون ويروّجون بأنّه لافائدة من ذلك، وكيف تريدون أن تقاوموا؟ والطرف المقابل جبّار ومتعسّف وقويّ”.

3 – جدوى المقاومة: “إنّ المقاومة تؤدّي إلى تراجع العدوّ، بخلاف الاستسلام. فإن تراجعتم خطوة إلى الوراء حين ممارسةالعدوّ ظلمه وأعماله التعسّفيّة بحقّكم، فإنّه سيتقدّم بلا شك. والسبيل إلى ألّا يتقدّم هو أن تقاوموا وتثبتوا”.

4 – واقعية المقاومة: “إنّ للمقاومة تكاليفها على كلّ حال، وهي ليست عديمة التكاليف، لكنّ تكاليف الاستسلام مقابلالعدوّ أكبر من تكاليف مقاومته. فعندما تستسلمون للعدوّ عليكم أن تتحمّلوا التكاليف”

5 – عاقبة المقاومة: “لقد وعد الله تعالى في آيات متعدّدة من القرآن بأنّ أهل الحقّ وأنصار الحقّ هم المنتصرون فيالنهاية. والآيات القرآنية الكثيرة تدلّ على هذا المعنى. قد يقدّمون التضحيات لكنّهم في نهاية المطاف لا ينهزمون”.

ركائز نظرية المقاومة

بناءً على المقدّمات المذكورة، يطرح الإمام الخامنئي 3 أركان أساسية لنظرية المقاومة هي:

1 – البحث عن الحقّ والمطالبة بالعدالة

إنّ منطق الثورة والمقاومة هو منطق البحث عن الحقّ والمطالبة بالعدالة، فالعدالة تعني إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، فكما يجبأن لا تظلم الآخرين ينبغي أن ترفض الظلم من قبل الآخرين أيضاً. نظرية المقاومة تنطلق من الحقّ ولتحقيق العدل فيمقابل الظلم.

يقول الإمام الخامنئي: “هناك مفهومٌ عالميّ وحقيقة عالميّة وحقيقة بشريّة قد انطلقت من قبل الثّورة بحيث أن كلّ منيسمعها في العالم سيشعر بأنّه محبّ لهذ النّداء. فما هو هذا النّداء؟ هو عبارة عن مقاومة نظام الهيمنة والتسلّط، هذاهو نداء الثّورة. نظام الهيمنة هو نظام تقسيم الدّنيا إلى ظالمٍ ومظلوم، لكنّ منطق الثّورة هو منطق الإسلام: ﴿لا تَظْلِمُونَوَلا تُظْلَمُونَ﴾. فعلى امتداد البشرية وساحة وجود الإنسان، من ذا الذي لا يرضى بهذا النّداء ولا يحبّ هذا النّداء؟ لا تظلِم،ولا تُظلَم”. (كلمة الإمام الخامنئي في لقاء قادة حرس الثورة الإسلاميّة بتاريخ 17/9/2013)

2- النزعة التحرّرية والكرامة الإنسانية

يُعدّ التوحيد في الرؤية الإسلاميّة أساس حريّة الإنسان وكرامته، لأنّه كما ذكرنا لیس مجرد الاعتقاد بالله فحسب، وإنّماهو عبارة عن عبودیة الله ورفض عبودیة ما سواه، وهذا هو معنی الحریة؛ أن یتحرّر الإنسان من كلّ القیود غیر عبودیةالله. فهذه النظرة الدقيقة لمفهوم الحرّية والنزعة التحرّرية تؤسّس لمقاومة كلّ قوّة غير إلهية تريد السيطرة والهيمنة علىالإنسان والمجتمع.

يقول الإمام الخامنئي: “إنّنا فی الإسلام نعتبر أنفسنا عبیداً لله، ولكن في بعض الأدیان یعتبرون الناس وأنفسهم أبناءلله. إنّ هذه مجرد مجاملة، فهم أبناء الله وعبید لآلاف الأشیاء والأشخاص! لكنّ الإسلام لا یقول ذلك، وإنّما یقول كُن ابناً لمنشئت، ولا ينبغي أن تكون عبداً إلا لله، فلا تكن عبداً لغیر الله”. (كلمة الإمام الخامنئي في الملتقى الرابع للأفكارالاستراتيجية بتاريخ 2012/11/13)

3 – قبول المسؤولية ومحورية التكليف

الركيزة الثالثة لنظرية المقاومة هي الاعتقاد بمسؤولية الإنسان وتحمّله للتكاليف، فهو مكلّفٌ إضافةً إلى كونه صاحبحقّ، وسبب المفاسد والمظالم في العالم هو القدرة المنفلتة غير المسؤولة. إلّا أنّ تلازم الحقّ والتكليف يضع الإنسان الحرّالمختار الشريف القادر والباحث عن الحقّ أمام مسؤولية صون حرّيته وحرّية المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه. فلايحقّ له أن يجلس ويتفرّج على الشياطين والطواغيت وهم يستعبدون الإنسان ويسترقّون الشعوب وينهبون ثرواتهمويسيطرون على العالم، بل يشعر بالتكليف للنهوض والاستنهاض والقيام من أجل تحرير العالم من هيمنة المتغطرسينوحثّه على مقاومة الظالمين.

يقول الإمام الخامنئي: “هذه المقاومة ليست نابعة من عصبية جاهلية قاصرة النظر، بل ناتجة عن معرفة وأصالة وشعوربالمسؤولية. إنها مقاومة شعب عرف جيًدا هوية الساسة النفعيين في نظام الاستكبار العالمي وسلوكياتهم الجائرةالمتكبرة المزيفة وثار ضد إرادتها المتجبرة مستلهماً معرفته وثقافته الإسلامية الغنية المتجذّرة. إنّها مقاومة واعيةوإيمانية». (كتاب نظرية المقاومة؛ ص 34).

اختصاراً وبناءً على ما تقدّم، نقترح على الباحثين في مجال التربية أن يدرسوا المقاومة انطلاقاً من كونها نظرية عقلانيةومنطقية وفطريّة، وهي قضية عالمية وعابرة للحدود والطوائف والقوميات، وموقف طبيعي للإنسان والمجتمعات البشريةالمضطهدة. فالأصل هو المقاومة، وهي لا تحتاج إلى دليل وبرهان، والاستسلام هو الخروج عن الأصل، ولا يعضده أيّمنطق وفرقان. ولذلك نخلص من خلال التربية على المقاومة إلى هذه النتيجة الجوهريّة:

إنّ مسؤوليّة المعنيين بالشأن التربويسواء الوالدين أو أولياء المدارس أو المبلّغين أو وسائل الإعلام أو الحكومات أوغيرهم من المؤثرينعبارة عن تعزيز التربية الفطرية المقاومة لدى الإنسان وتوجيهها وصونها في مقابل الهجمات التيتخدش الفطرة السليمة وتحاول جعل الخنوع والاستسلام والرضوخ أمام الظلم والهيمنة أمراً طبيعياً (كتطبيع الاحتلالوغيرها من النماذج) وواقعاً لا بدّ منه

كما أنّ استخدام هذه اللغة الإنسانية المستندة إلى الفطرة في ترويج خطاب المقاومة من قبل المؤثرين ووسائل الإعلامومخاطبة الضمائر البشرية بأدبيات عالمية مشتركة وبعيداً عن الطائفية والمذهبية، يساهم بنحو كبير جدّاً في توسعةنطاق جبهة المقاومة في أرجاء العالم والتحاق الكثيرين بها. لذلك يقول الإمام الخامنئي إنه: “في منطقتنا اليوم، تُعدّالمقاومة اللغة المشتركة بين الشعوب. والهزائم التي مُني بها الأميركيون في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها هيثمرة مقاومة الجماعات والأحزاب المقاومة. وجبهة المقاومة اليوم جبهة قوية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.