حتى يغيروا ما بأنفسهم

0 487

حتى يغيروا ما بأنفسهم!

المطالع لسيرة الأنبياء والمعصومين يجد أن النموذج الذي اعتمدوه في إحداث التغييرات الاجتماعية الكبرى قائم على ركيزتين أساسيتين:

الأطروحة الفكرية العقائدية، 

والجماهيرية (الشعبية). 

بمعنى أنهم يقدمون أفكارهم ورؤيتهم -وفق الشريعة الإلهية- عن المجتمع ومايمر به ويعاني منه، وفي الوقت ذاته ينزلون للميدان والجماهير، ولا يكتفون بالتنظير من فوق، فيبلغون رسالات الله، دون مجاملة أو خشية، 

(الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله) الأحزاب آية39.

وبذلك يُحدِثون تغييرًا في وعي الناس حول ما يجري معهم، وبدل مجاملتهم، يلقون كرة التغيير في ملعبهم بناء على القاعدة القرآنية: 

(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد آية11،

وقاعدة (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم… ) الشورى آية30.

نموذج التغيير هذا #تدريجي #جذري، 

تدريجي لأنه يتوقف على الإيمان الواعي والإقناع لا الإرغام، وجذري لأنه يعتمد على حركة الناس النابعة من إيمانهم وعقيدتهم حول ما يريدون تغييره من واقعهم وحول الطريقة المناسبة لإحداث هذا التغيير.

على ذلك سار الإمام الخميني في إحداث أكبر وأعمق تغيير شهده القرن العشرين وربما زمن الغيبة كله، وعلى غرار ذلك نشهد اليوم تحركًا مماثلًا من قبل سماحة السيد هاشم الحيدري حين وجه بوصلة مشروعه بمجموعة من الخطوات التي من شأنها مواجهة الوجود الأمريكي في العراق، دون سلطة سياسية أو جناح عسكري، رغم كونها داعمة ومساندة لأي ضغط سياسي أو عسكري باتجاه إخراج هذا المحتل القاتل الغاشم.  

ما أود عرضه في الأسطر القادمة هو استعراض مختصر لإحدى هذه الخطوات التي انطلقت تحت عنوان (#كفى_أمريكا !) ، لكونها -باعتقادي- تجربة تستحق التوقف والتأمل:

تقوم هذه الخطوة على إرسال وفود من طلبة العلوم الدينية وشباب المشروع لشبكة واسعة من الشخصيات الاجتماعية والعشائرية والأكاديمية المؤثرة في مختلف محافظات العراق بهدفين أساسيين: 

1 .حث الشخصيات والنخب على توعية الجماهير المرتبطة بها على خطورة الوجود الأمريكي وتهديده الحقيقي لدين الناس وعقيدتهم ومبادئهم فضلا عن تهديده لدنياهم ومصالحهم 

و لمستقبل هذا البلد وخيراته واستقلاله. 

2. تحريك هذه القواعد الشعبية لمواجهة هذا الوجود المفسد، انطلاقًا من التكليف الإلهي بوجوب مواجهة الطواغيت والظلمة، وحرمة السكوت عنهم. 

هذه الخطوة تسهم في تهيئة أهم عامل للتغيير الاجتماعي بحسب السنن والقواعد الإلهية وهو تغيير نفوس الناس، وأفكارهم، عن طريق التوضيح والاستدلال الديني المقنع الذي يخاطب العقول والقلوب، أو مايعبر عنه الإمام الخامنئي بـ(جهاد التبيين).

وبالتالي تتشكل بيئة شعبية واعية بأن مواجهة أمريكا من صلب الدين، مؤمنة بأن التغافل والتماهل في هذا الأمر يفسد دنياهم قبل آخرتهم، مستعدة لدفع كلفة المواجهة مع هذا الطاغوت والشيطان الأكبر كما كان سيد الشهداء وأصحابه وأهل بيته مستعدين لدفع كلفة المواجهة مع طاغوت زمانهم. 

بحكم مشاركتي في بعض هذه الوفود مع باقي أخوتي من طلبة العلوم الدينية في مشروع سماحة السيد، وجدنا أن الغالبية العظمى من هذه الشخصيات والمثابات الاجتماعية كانت بانتظار من يصلها ويتحدث معها عن خطورة هذا الوجود من المنطلق والدافع الديني، لا من منطلق السياسة والاقتصاد، ولذلك تلقت الخطوة بمقبولية كبيرة، وأبدت استعدادها لخطوات عملية أكثر. 

في الختام أعتقد أننا في الوسط الإسلامي الواعي المقاوم نفتقر لهكذا خطوات، تحمل طابع التثقيف الجماهيري الذي يشتبك مع العدو في عمق وجوده، وهو أفكار الناس وعقولهم، ولذا يغلب على تحركاتنا الطابع السياسي أو العسكري مع أهميتهما وضرورتهما.

التواجد الأمريكي في أذهان العراقيين أخطر من التواجد على أرضهم، وسرقة دينهم ومبادئهم أخطر من سرقة نفطهم، لأن احتلال الأذهان مقدمة لاحتلال الأوطان وفساد الأديان، 

ليس بالضرورة أن يكون هذا الاحتلال الفكري الذهني بمعنى أن يرضى المرء بأمريكا أو يقبل وجودها، ولكنه قد يكون خوفًا ورهبةً منها، وقد يكون غفلة عن التكليف الشرعي الإلهي القاضي بحرمة السكوت عنها، وقد يكون حواجزًا نفسية وعقد نقصٍ زرعها العدو في عقولنا كي نجد ألف مبرر للخنوع قبل التفكير في المواجهة.  

علي منيع البدري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.